اثار اكاكوس

   إن ابحاث العصر الحجري القديم في الصحراء الكبري خاضعة للفرضية التي تعتبر التغير المناخي عاملا اساسيا في الحضارة وانطلاقا من العديد من بقايا حضارات وثقافات موجودة في المناطق الصحراوية المتطرفة ومن الحقيقة التي تقول ان الناس او الصيادين او الجامعين لايستطيعون الحياة في الصحراء الكبرى ضمن الشروط المسيطرة حاليا يجب ان تعيد ابحاث علم الاثار بناء تصور عام لتعرف الناس وسلوكهم ويتضمن اعادة بناء الظروف البيئية ودلك لمعرفة العلاقة بين البيئة والانسان وتكيفه مع المتغيرات .

يبدل علم الاثار جهودا كبيرة لمعرفة نشؤء الانسان وسلوكه الحضاري في العصور الحجرية القديمة ولتصنيف هده المعارف تتركز المناقشات حول اصل الانسان ومراحل تطوره وفيما ادا كان في افريقيا اواسيا او اوروبا وتحظى ابحاث العصر الحجري القديم في شمال افريقيا بأهتمام خاص ولايمكن اعطاء اراء حول اصل الانسان وتطوره وسلوكه ومستواه الثقني الابشك كبير ملم نكن على معرفة دقيقة بجغرافيا المناطق الواصلة بين اوروبا واسيا وافريقيا ولايمكن ان يوجد حل لكل هده الامور الاعن طريق ابحاث متكاملة وبوسع علم الاثار ان يأخد مكانا رئيسيا فيها لانه يستطيع عن طريق شروط البقاء للانسان معتمدا على الحفريات ان يصل الي الافاق الزمنية المختلفة للبقايا والفضلات في البيئة السابقة والتي يمكن بواسطتها وبالاعتماد على التحليل المتشعب الجوانب اعادة بناء ظروف الحياة .

ان الادوات الحجرية ولب الحجر وحجارة الطرق وبقايا التشظية الموجودة في بعض مناطق الصحراء الكبرى بكميات لاتصدق على السطح تدعم الفرضية التي تقول بأن اعمال التسلسل الطبقي للارض ” استراتغرافيا ” والتي هي الشرط اللازم لكل تصنيف زمني موثوق صعبة جدا ادا لم تكن مستحيلة . ان شروط البقاء في الواقع لاادوات من صخر حجري من الكوارتز او الفلنت او الخشب او البازلت او لقشور صخرية رملية   موجودة على سطوح الصخور او على السطح العلوي الطري معرضة للانجراف هو جيد جدا.ادا استثنينا المنحدرات حيث حصلت تنقلات أفقية قوية لمواقع المكتشفات فإنه بوسع الأدوات ان تحافظ على مواقعها فوق الصخور بدون ان يتغير وضعها حتى يومنا هدا وهكذا يمكن التعرف على مواقع العمل حيث أنتج الإنسان أدواته في زمن محدد.

إرهاصات الاهتمام بالفن الصخري 

ففي منتصف القرن التاسع عشر بدأت أعمال الاستكشافات في أفريقيا الشمالية بشكل عام وفي الصحراء بشكل خاص وهي نفس الفترة التي اكتشفت فيها عن طريق الصدفة اولى النقوش الصخرية جنوب وهران .

ومند ذلك الوقت الدي واجه فيه الرحالة والباحثون مشاق المنطقة المترامية تناقلت الاخبار عن رموز غامضة خلفها الانسان مند عهود قديمة مضت منقوشة على الصخور . وتحالفت مع جهود مثمرة قام بها عسكريون من بلدان جرتهم ظروف استعمارية الى هده المناطق . ولقد اكتشف الرحالة الالماني هنريتش بارت سنة 1850 اولى النقوش في فزان وقدم وصفا دقيقا لبعض نقوش وادي تليزاغن ” وادي البرجوج ” والتي اشتهرت فيما بعد وقد ذكرت المنطقة في اشارات اخرى عند دوفيري سنة 1864 ونختقال سنة 1869 رولفس 1874 .

وقد اشار فورو سنة1894 عن احتمال وجود رسوم على صخور الاكاكوس الي الشمال الشرقي من غات وتتمتل الادلة الاولى عن الفنون  الصخرية لفترة ماقبل التاريخ التي اكتشفت بأفريقيا الشمالية في نقوش حفرت على ألواح صخرية كبيرة في العراء وفي مناطق بعيدة عن الكثل الجبلية الكبيرة .

أما الرسوم وهي في الغالب تتواري في قلب السلاسل الجبلية الكبيرة من الصحراء الوسطى فلم تكتشف الا في زمن متأخر في سنة 1909 بجبال تاسيلي .

وفي مجال سلسلة الاستكشافات والاشارات في اراضي فزان اجمالا نذكر كواردو زولي فقد كان خذا اول ايطالي يعثر سنة 1914 على بعض النقوش في وادي الاجال وتضاعفت في العشرينيات من القرن الماضي عمليات البحث عن مخلفات وشواهد اثرية وفنية تعود الي فترات ماقبل التاريخ , واتسعت في الوقت نفسه دراسات الصحراء الكبرى في مختلف ميادين العلوم . 

بعد ذلك اخدت حملات وعمليات البحث والتنقيب على أثار ماقبل التاريخ بمنطقة فزان  شكل شبه منظم وأود أن أشير هنا الي الحملات الاولي منها وهي كالتالي :

 ـ سنة 1955  من أبريل الي يونيه .

ف  ـ موري , س ـ  فيلوتي زاتي , ف , موريلي , م . بوليبيو , ب . بارونتي  

 ـ سنة 1956 من مايو الي يونيه .

ف  ـ موري .

  سنة 1957 ديسمبر و مارس 1958.

  ف  ـ موري , أو فورلاني .

 ـ سنة 1958 ديسمبر , ومارس 1959 .

    ف  ـ موري , أو فورلاني  , فوتشوني .

 ـ ديسمبر 1960 , ابريل 1961  .

  ف  ـ موري , ابسا , ب . قوتشوني , ل . طورنا بورني .

 ـ ديسمبر 1962 , ابريل 1963  .

  ف  ـ موري , ابسا , ب . قوتشوني , ل . طورنا بورني , س ـ تيني , ج ـ برتولومي , س ـ تشيك .

 ـ  فبراير  ـ ابريل 1964 

ف ـ موري , ب ـ فوتشوني , ج ـ برتولومي 

الزمن الجيولوجي الرابع ” البلايستوسين 

ومن هنا نجد أن دراسات ماقبل التاريخ في ليبيا تعتبر مجالا خصبا نظرا لوفرة الاثار المادية والفنية ولانها تمثل جزءا هاما من تاريخ الصحراء الافريقية الكبرى والتاريخ الليبي القديم .وحضارات ماقبل التاريخ شملت معظم مانسميه الان بالصحراء الليبية والتي تغطي جزءا كبير من المساحة الكلية لليبيا , وهي تشكل الجزء الاوسط الاوسط من الصحراء الافريقية الكبرى .

ولم تكن حالة الصحراء كما هي الان بل كانت في وقت ما تتمتع بمناخ دافيء ممطر جعلها مليئة بالحياة النباتية والحيوانية وخير دليل على دلك هو اكتشاف النفط في اماكن متعددة على الاراضي الليبية باعتبار ان النفط نتاج الحياة السابقة .

ويقول العلماء ان عصر البليستوسين الدي بداء قبل مليون سنة تقريبا واستمر طيلة مليون سنة تميز بتغيرات مناخية حادة وهو مايسمى بالزمن الجيولوجي الرابع وهو الزمن الدي يرتبط بضهور الانسان وقد اظهرت النتائج والدراسات الاثرية والجيولوجية الي الاعتقاد بأن افريقيا كانت موطن الانسان الاول وانه انتشر منها الي اسيا ثم الي اوروبا .وبهدا فان الصحراء الافريقية مرت بمعظم مراحل ثقافات ماقبل التاريخ وان علماء الاثار قاموا ويقومون بتتبع مسيرة الحياة بالصحراء الليبية لتحديد مئات الالاف من السنين في فترة ماقبل التاريخ .

ففي عصر البلايستوسين كانت شوطئء ليبيا تتوغل الي الداخل في خلجان متعرجة تمتد بعضها وراء واحة جالو الحالية وكان مناخها ممطرا ودافئا حتى على الهضاب ولقد دلت الشواهد الجيولوجية على ان الصحراء الليبية كانت في عصر البلايستوسين اقل جفافا مما هي عليه الان , ولدلك فانها كانت في اواخر العصر تعج بالنباتات والحيوانات والبشر وتؤكد الشواهد والادلة الاثرية دلك مفي الفن الصخري الموجود بالمنطقة والادوات واماكن الاستيطان والتي وجدت في كل انحاء الصحراء الليبية , كدلك كان بالمنطقة انهار وبحيرات مائية ضخمة ودلك لاكتشاف ادلة على وجود حيوانات مائية كثيرة صورت ونحثت على الصخور المختلفة , وهده الانهار المفقودة كانت روافد في شبكة مائية واسعة متصلة بأنهار عدة منها نهر النيل ونهر االنيجر وهي جارية بصورة او بأخرى تحت الارض أو فوقها .

وادا كان وجود النفط يؤكد وجود حياة في هده البقعة من الارض مند زمن بعيد فان الاحواض المائية الجوفية الموجودة بالصحراء الليبية وهي تعتبر بمثابة بحيرات ضخمة من المياه العدبة كانت نتاج فترة غزيرة المياه .

زمن الهولوسين 

 أما في العصر الجيولوجي الحديث ” الهولوسين ” نجد ان الانسان تعلم في منتصف هدا العصر كيف يستأنس الحيوانات ويزرع النباتات فأصبح بدلك منتجا لقوته بدل ان كان جامعا لما تنتجه البيئة وهناك ادوات حجرية كثيرة وجدت في اماكن مختلفة في الصحراء الليبية تمثل هدا العصر وما يشاهد في متخندوش وزنككرا واكاكوس والتشوينت ومنطقة اناي في اقصى الجنوب وغيرها … هو خير دليل على على ان هده الاماكن هي بحق متحف فني مفتوح كبير لاثار ماقبل التاريخ .

وشهد عصر الهو لوسين تزايد الجفاف في مناطق مختلفة من الارض وخاصة في شمال افريقيا الدي تعتبر ليبيا جزء منه وادى تزايد الجفاف واستمراره الي تكون وازدياد نسبة الرقعة الجغرافية لهده الصحاري التي نراها اليوم . والي هجرة انسان وحيوان تلك المناطق وانقراض نباتاتها وزحف الصحراء مئات الاميال في اتجاه الشمال وغاب المطر وجفت الانهار وسادت الشمس الحاقة معظم فصول السنة وبدا التحول كاملا وجفت اربع انهار رئيسية كانت تنبع من الجبل الغربي والهضاب الممتدة الي الجنوب  وتناقص خط المطر حتى انحسر عن الجنوب وحوض الجفرة وفزان واقتصر سقوطه على شريط الساحل الضيق والهضاب الشمالية في الجبل الاخضر والجبل الغربي وبهدا التغير في المناخ تغير وجه الارض بحيث شملت الصحراء جزاء كبيرا من الشمال الافريقي وازدادت رقعتها على ماهي عليه .

والصحراء الليبية ليست كلها صحراء رملية بل توجد فيها بعض السلاسل الجبلية وبين هده الجبال مرتفعات صخرية تعرف بالحمادات وسهول مكسوة بالحصى وكثبان الرمل المتنقلة وتخترق المنطقة انهار جافة عبارة عن وديان وبعضها يشير الي قوة الانهر التي كانت تتدفق فيها في عصور ماقبل التاريخ  .

وواضح ان الصحراء الليبية احتلت مركزا واسعا بين الصحاري فإن لها دور مهم في حضارة ماقبل التاريخ في الشمال الافريقي والشرق الاوسط , كما انه ليس مستغرب ان نجد انواعا وثقافات مختلفة لعصور ماقبل التاريخ في اماكن متعددة من الصحراء ولابد انا شهدت الهجرات المتتالية من الشرق الي الغرب والعكس بحثا عن اماكن اكثر استقرارا ودلك عقب حدوث الجفاف خلال عصر الهولوسين .

ويعتبر الرحالة الألماني بارت اول من اكتشف النقوش الصخرية في وادي الزيغن سنة 1850 واشار لها ثم توالت الاكتشافات على ايدي الرحالة المختلفين والبعثات العلمية المختلفة فاكتشفت رسوم ومواقع اخرى في مكنوسة وزنككرا ووادي برجوج ومتخندوش وجبل بن غنيمة والاكاكوس والجبل الغربي والاخضر وترهونة وغيرها الكثير من المواقع الاخرى   يرجع الي ثقافات مختلفة لعصورماقبل التاريخ .                      

ومما سبق دكره نود تسليط الضوء على بعض المواقع المهمة والغنية بأثار زمن ماقبل التاريخ فليس هناك مجال للتعرض لها جملتا وتفصيلا فسنكتفي بأهمها وابرزها وستكون البداية مع 

جبال تدرارت الاكاكوس

   اسم اكاكوس يطلق على طرف الكتلة الصخرية التي ترى من غات ومن وادي تانيزوفت ويسمى بهذا الاسم كذلك الجزء المتجه نحو الغرب بما في ذلك المنحدر الحاد الذي يحادي طريق سردليس ـ غات .

   اسم تدرارت في لهجة التاماهاق تعني نقيض تاسيلي ويدل الاول على كثل كبيرة اما الثاني فيعني تشكيلات اقل شأنا . فيطلق بالتخصيص على باقي الجبل الي القواعد المتصلة بالكثبان الرملية الشرقية وتفصل هذه الكثلة الجبلية الواقعة بالجنوب الغربي من فزان منطقة غات عن امساك مليت وادين مرزق ويظهر امام القادم من سردليس الجانب المواجه للغرب في شكل سلسلة غير متقطعة رمادية اللون غنية بالرؤوس والاودية ويمتد وادي تانيزوفت عند قاعدتها ويستمر مع وادي يسين حتى تين ألكوم وما ورائه .

ويشبه شكل الاكاكوس مستطيلا على وجه عام  نتيجة أضلاعه من الشمال الي الجنوب ويقع بين 24 30 و 25 30 شمال خط الاستيواء والي شرقه تمتد اراضي امساك الواسعة .اما من الغرب فان وادي تانيزوفت وحده يفصله عن المصدات الاولى لتاسيلي , وطبيعة هذه السلسلة صخرية تتقاطع بها اودية كثيرة التي تشكل البطون الجافة لانهار مائية غابرة .

أما المنطقة الوسطى _ الجنوبية من الاكاكوس فتشمل عددا كبير من الاودية الصغيرة والكبيرة ويتخللها بعض الكهوف الواسعة بشكل متفاوت بالحواف الصخرية تكونت بفعل عوامل التعرية والنحت وقد اختارها رسامون ماقبل التاريخ مركزا لاعمالهم الفنية ” الفن الصخري ” .  

إن الإشارات الأولى عن وجود نقوش تمثل حيوانات وكائنات خرافية على جدران صخرية بجبال وصخور هده المنطقة تعود إلي منتصف بدايات القرن السابق ومند دلك الأوان تضاعفت هده الاكتشافات في الشمال الأفريقي إلا انه في السنوات الأخيرة بدأت المنطقة في جدب اهتمام الباحيثين حيث عرف إلي حد اليوم مايقارب 10000 ألاف ويزيد نقش ورسم وهدا العدد مقرر له الزيادة بكل تأكيد نتيجة توسع أعمال الكشف والمسوحات الأثرية وقد تمركز هدا النشاط الفني بشكل موسع في منطقة فزان جنوب غرب ليبيا والتي تعتبر جبال الاكاكوس جزء منها وقد أقيمت بهده المنطقة أبحاث ودراسات منتظمة بالتعاون مع بعثات علمية تشرف عليه جامعات أوربية مثل بعثة جامعة روما الأولي ” لاسبينزا ” مند سنة 1955 وقد وصلت لنتائج جيدة في توثيق ودراسة الفن الصخري بالمنطقة وكذلك اختبار الترسبات الحيوانية والبشرية وقد تم ولأول مرة عمل آو بناء نسق زمني نسبي ومطلق لمختلف المراحل الفنية واحتوائها ضمن إطار تاريخي وإقليمي دقيق .

فالصحراء مثلها مثل بقية الأراضي تأثرت في الماضي بالتقلبات المناخية الكبيرة وتمتعت على فترات بمناخ أكثر انتعاشا ورطوبة من المناخ الحالي حيث كانت تغطيها شبكة مياه غزيرة وخضرة كثيفة مما كان يوفر سكنا مباشرا للحيوانات والبشر والشواهد الدالة على دلك كثيرة فيوجد هناك حبوب لقاح نباتية متحجرة وقيعان أودية جافة وبقايا اسماك وقواقع وطحالب وعظام حيوانات مثل الزراف والظباء والفيلة والأسود وفرس النهر وغيرها وقد وجدت مخلفات هده الحيوانات مقرونة مع ظواهر تصنيع بشري هي الأخرى عديدة ومبعثرة في كل الصحراء وهي علامات واضحة على تواجد ونشاط مجموعات من الصيادين المتطورين مند أكثر من 150000 سنة خلت على الأقل صناعات اشولية وموسترية وعثيرية ونيوليتية وفي النقوش والرسوم الصخرية التي دون فيه تاريخ هده المجموعات البشرية حيث صورت العادات والنشاطات وثقافة الصيادين ثم الرعاة فيما بعد والمتمثلة في مناظر للصيد والرقص وبعض جوانب الحياة الأخرى .

ولا ندري في أي زمان او مكان بالضبط ظهرت هده الظاهرة الفنية الكبيرة التي اخدت في التطور والتشعب عبر ألاف السنين حتى ظهور ثبوت النظام الصحراوي وبالتالي تلاشت وهجرت الشعوب المحلية المنطقة ويبدو انه وعلى اية حال من خلال النتائج الباهرة والأبحاث المنجزة في تدرارت اكاكوس وفي منطقة فنية شاسعة تمتد من سلسلة جبال الأطلس إلي وادي النيل إن الرسوم الصخرية عرفت مظاهرها الأكثر تعقيدا كما يتأكد من نتائج عمليات التنقيب الطبقي وبدون شك نجد أنفسنا أمام اكبر مجموعة من فنون ماقبل التاريخ المعروفة في كل مكان .

فالأعمال الأكثر قدما التي تركها صيادو الحيوانات الكبيرة تعود بالتأكيد تقريبا إلي فترة الرطوبة الكبيرة حيث تكثر التماسيح وفرس النهر كما يبدوان الصيد الكبير بدا يفقد دوره كوسيلة عيش أساسية ربما لبدء نقص الحيوانات نفسها والمحاولات الرامية إلي وجود بدائل اقتصادية جديدة يمكن الاهتداء إليها في الدورة الفنية المعروفة ” بالرؤوس المستديرة ” الدين استقروا هناك حوالي 9000 سنة خلت في المناطق الغنية حيث مجاري المياه وصانعي الفخار حيث أدت الأبحاث التي أقيمت بوادي تي نتورة على هدا الفخار إلي تحديد عمره بحوالي 8640 من الآن.

ويبدو أن هده الفترة المتوسطة قد انقطعت فجأة أو على الأقل دلك مايشير إليه الفن نفسه بظهور قطعان كبيرة من البقر يقودها رعاة دو ملامح من البحر الأبيض المتوسط ” الرعي البدوي اوالترحالي ” في منطقة بدأ يسيطر عليها الجدب مع اتساعها الكبير . والاتجاه نحو التربية المكثفة للحيوانات بدأ مبكرا في المرتفعات بالذات حيث توصل الفن الصخري الراقي للحضارة الرعوية مستويات رفيعة في الأسلوب والتعبير مند مايقارب من 7000 سنة ودلك حسب النتائج المتحصل عليها من رواسب وان تابو ووان مهجاج .

والتردي في الظروف المناخية الذي أدى إلي الحالة الراهنة بدأ في الألف سنة قبل الميلاد تقريبا عندما أخد الفن الرعوي في فقدان الكثير من حيويته مع بدء ظهوره في نفس الوقت في مناطق أخرى إلي الجنوب والشرق وهده الظاهرة يمكن ربطها بالعلاقة التي كانت بين حركات الهجرة في هروب بطيء من صحراء لم تعد مضيافة.

ومن حوالي ألف سنة مضت كانت فترة التردي المناخي منتهية وصار ضروريا استجلاب الجمل من أسيا وهو الحيوان المستأنس الوحيد القادر على التعايش في الصحراء وبدلك فأن الفن الصخري اضمحل نهائيا وتقلص إلي مجرد نقوش بسيطة.     

فلقد أثبتت الدراسات الميدانية والحفريات الأثرية التي أجرتها مصلحة الآثار بالتعاون مع بعض الجامعات الأوربية وعلي سبيل المثال بعثة جامعة روما الأولي ــ لاسبينزا ــ في منطقة تادرارت اكاكوس وما حولها بأن المنطقة تعتبر من أغنى المناطق بالأدلة والشواهد الثقافية والأثرية التي تمتد جذورها إلي أوائل وأواسط عصر البلايستوسين فمن خلال المسوحات الأثرية التي أجريت بهده المنطقة ثم العثور علي العديد من الأدوات الحجرية التي ترجع إلي الثقافة الاشولية المتمثلة في كمييات كثيرة من الفؤوس الحجرية والمسنات والمثاقب و المكاشط البدائية التي يرجع تاريخها إلي أكثر من ” 300.000 ” ألف سنة كذلك تم العثور علي كثير من الأدوات الحجرية  التي ترجع إلي الثقافة الموستيرية والمتمثلة في بعض الشظايا الافلوازية وبعض الانوية التي يرجع تاريخها إلي أكثر من ” 80.000 ” ألف سنة أما الثقافة العاثيرية فقد سجلت الحفريات التي أجريت في مصلحة الآثار أقدم تاريخ لهده الثقافة من خلال الأدوات الحجرية العاثيرية التي اكتشفت في التسلسل الطبقي لحفريات كهف وان تابو وكهف وان أفودة حيث أرخت تلك الأدوات بالوسائل المعملية الحديثة ووجد أنها ترجع إلي أكثر من ” 60.000 ” ألف سنة  وبدلك يعتبر أقدم تاريخ لهده الثقافة بالصحراء الليبية حيث تشير المعلومات السابقة إلي أن هده الثقافة قد سادت في الفترة من ” 12.000 ” إلي ” 30.000 ” الف سنة

كل تلك الادلة والشواهد المهمة تم استنباطها من الحفريات التي اجريت بالمنطقة والفنون الصخرية التي انتشرت بكثرة في هده المنطقة الامر الدي جعلها أكبر المتاحف المفتوحة للفنون الصخرية في العالم .ونستطيع وضع مقترح بتسلسل زمني للفن الصخري  من خلال الدراسات التي أقيمت بتادرارت اكاكوس :

مرحلة الحيوانات البرية الضخمة ” مرحلة التيتل ” معضمها نقوش .

مرحلة الرؤوس المستديرة . معضمها رسوم .

مرحلة الرعي . رسوم ونقوش .

مرحلة الحصان . رسوم ونقوش .

مرحلة الجمل . رسوم ونقوش 

هضبة إمساك متحف في الهواء الطل في الصحراء

 ” إن فن الصخر في الصحراء هو واحد من اكثر كتب الانسانية للزمان إذهالا قد تكون هناك كتبا مختلفة وأقدم ولكن القليل منها على هده الدرجة من الجمال والحيوية إنه رائع ومدهش ويجعلنا نفكر بعمق في الرسالة الساحرة التي يوصلها لنا “   هنري جون هوجو ” الصحراء قبل البادية “

كانت هضبة إمساك في الصحراء الليبية أهلة بالسكان مند العصر الحجري القديم ولكن على الأرجح أنه فقط في أثناء المرحلة المطيرة من العصر الحجري الحديث قامت جماعات من القناصة والرعاة بتزيين حوائط واحاتها بنقوش جميلة وعلى خلاف منطقتي اكاكوس وتاسيلي الثريتين بفن الصخر والموجودتين في مكان اخر بالصحراء فإن الرسومات الملونة توجد بقلة في هضبة امساك والاستتناءات القليلة لهده القاعدة انها نشأت خارج المنطقة .

ويمكن معرفة تاريخ النقوش التي وجدت في الهضبة بالرجوع للاختلافات في طبيعة ولون الغشاء الدي تكون فوق سطح الصخر.

وأحدثها يرجع تاريخه الي مايعرف بعصر الجمل الدي بدأ مند 2000 عام مضت . وتصور نقوش اخرى في منطقة قريبة أحصنة وعربات دات عجلتين ومحاربين مسلحين بالحراب والدروع المستديرة ويرجح تأريخها الي 1500 سنة تقريبا قبل الميلاد وهناك نقوش اخرى اكثر قدما لعديد من الحيوانات الشبيهة بالابقار المنقطة ” حيوانات من عائلة الثور ” والمصورة بشكل غير مثقن ومسطح لحد ما . والعديد من النعامات والزرافات مصورة في هده النقوش مما يوحي بأنها من صنع رعاة معاصرين لبداية فترة جافة جدا في المنطقة حوالي 2000 الي 3000 سنة قبل الميلاد .

ان نقوش امساك ملفتة للنظر اولا بسبب عدد وتفرد المناظر ومحتواها الثري وبالتقنيات المستخدمة في صنعها , ان بعضها دو بروز قليل حيث الجزء الامامي من الصورة وخلفيتها مصورة بواقعية بالطرق الدقيق والصقل الجزئي , وتبرز تقنية خاصة للخط المزدوج الانطباع بالعمق في بعض امناطق مثل المخالب والانف والفكين .

والحيوانات البرية والاليفة هي الموضوع الرئيسي للنقوش ولاعطاء انطباع بالعدد او بالقطيع يتم رسم سلسلة من الرؤوس على شكل مروحة بزوايا مختلفة والتي تخف تدريجيا حتى الخلفية , وتبدأ بحيوان كامل مصور تفصيليا في الجزء الامامي من الصورة .والتأثير الكلي مثير , ويدل على درجة عالية من الموهبة في التكوين . والانواع المختلفة من القرون والتي غالبا ما تمثل في قطيع واحد صغير في اشارة الي التنوع , وتصوير الادميين ليس قليل التكرار ولكنه يبدو مرتبطا بأحداث خاصة ” الصيد , الطقوس , والمناضر الرمزية ”    . 

هده نبدة مختصرة مختصرة عن ثقافات ماقبل التاريخ التي سادت هده المنطقة اثناء عصر البلايستوسين اما مرحلة الانتقال الي عصر الهوليسين فخلال هده المرحلة قد لعبت منطقة تادرارت اكاكوس ومساك بالاضافة الي منطقة تاسيلي دورا اساسيا في التاريخ الانساني حيث انها كانت مركزا لتحولات ثقافية ادت الي انفصال الانسان تدريجيا عن الطبيعة التي عاش فيها الانسان لعدة مئات الالوف من السنين على اقتصاد يعتمد على الصيد وألتقاط القوت حيث تم العثور في هده المنطقة على ادلة تشير الي ميلاد رؤية جديدة لدى الانسان للسيطرة على البيئة متمثلة في تدجين بعض الحيوانات وقيامه بنشاطات زراعية بدائية بالاضافة الي دلك تم العثور على ادلة تشير الي نمو التفكير الداتي لدى الانسان ودلك من خلال تصوير الاشكال الالهية في صور اسطورية وادمية بعد ان كان يغلب عليها الطابع الحيواني وقد اثر هدا النمو العقلي الداتي في ثقافات حوض البحر الابيض المتوسط .

 توصيات عامة لحماية المنطقة

. الإستعانة بالسكان الأصليين لهذه المناطق كالطوارق والأتفاق معهم على حماية هذه المنطقة وفق آلية معينة .

 . الاستعانة بضباط الشرطة المتقاعدين في حراسة المواقع الهامة القريبة من العمران حيث شهدت بعض المناطق الأثرية سلوكيات مشابهة كالكتابات المشينة على بعض المقابر بمدينة شحات الأثرية ولبدة وصبراتة .

 . وضع ضوابط لمرتادي هذه المناطق وذلك بحث الهيئة العامة للسياحة والصناعات التقليدية بإصدار مدونة السلوك السياحي الحميد بالتنسيق مع مصلحة الآثار وتوزيعها على الشركات السياحية لتكون ملزمة .

 . عدم السماح للسواح الفرادى من أرتياد هذه المناطق إلا تحت إشراف إحدى الوكالات السياحية المرخص لها .

 . دعم مصلحة الآثار بمجموعة من السيارات الطاوية ذات المدفع الرباعي لتفقد هذه المناطق ومثيلاتها بغرض الإشراف والمتابعة الدورية .

 . إستيئناف الإجراءات القاضية بجعل منطقة الأكاكوس وهضبة مساك محمية طيعة ثقافية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة وإدراجها كمنتزه ثقافي طبيعي وطني معزز بالحماية .

 . رفع الوعي لدى المواطن وذلك ببث برامج توعية مقروءة ومسموعة ومرئية للتعريف بقيمة هذا الثرات وأهمية هذه المنطق

اغلق