لقاء صحفي مع البروفيسورة ماريا انطونييتا ريتزو رئيسة البعثة الأثرية لجامعة ماتشيراتا

لقاء صحفي مع البروفيسورة ماريا انطونييتا ريتزو
رئيسة البعثة الأثرية لجامعة ماتشيراتا
ترجمة وعرض/ مصطفى الترجمان

القوس السيويري في لبدة الكبرى على اليسار والضريح البونيقي الهلنستي (B) صبراتة على اليمين. (تصوير مارشيللو بينساي)
نشرت صحيفة الجمهورية (لاريبوبليكا) واسعة الانتشار يوم 31 مارس 2022 لقاء صحفي تحت عنوان (لبدة الكبرى وصبراتة جوهرتا روما الأفريقية ينبغي المحافظة عليهما) أجراه ستيفانو ميلياني وهو صحفي معروف في مجال الأدب والثقافة مع البروفيسورة ماريا انطونييتا ريتزو رئيسة البعثة الأثرية لجامعة ماتشيراتا العاملة في ليبيا أشادت فيه بما قامت به مصلحة الآثار من أجل حماية وحفظ الموروث الأثري في ليبيا ودعت الدول إلى تقديم المساعدة للجهات المسؤولة عن ذلك الموروث والتركيز على ضرورة توفير الأموال لترميمها. كما أشادت بأهمية المدينتين الأثريتين لبدة الكبرى وصبراتة وما فيهما من معالم أثرية متميزة على صعيد العالم مؤكدة على ضرورة متابعة أعمال الترميم القديمة ومراقبتها ودعوة لإجراء ترميمات جديدة متأملة تجديد العمل الميداني في المستقبل القريب بعد الحصول على الدعم اللازم لذلك. وفيما يلي نص اللقاء:
سبق المقابلة تقديم من الصحفي ستيفانو ميلياني جاء فيه:
بجوار ذلك الخليج الليبي الذي يغادره مهاجرون بحثاً عن الخلاص والحياة الكريمة في قوارب غير مناسبة يعبرون بها البحر الأبيض المتوسط، هناك جوهرتان حضريتان تمثلت فيهما الأصالة، كانتا نقطة التقاء ثقافي متعدد ونشاط تجاري متنوع ودليلاً على مدى ازدهار الحضارة الرومانية في شمال افريقيا. إنهما مدينة لبدة الكبرى شرق العاصمة طرابلس ومدينة صبراتة غرب العاصمة، شيدتا على مراكز او مستوطنات فينيقية و بونيقية. شوارع وأعمدة وحمامات وميادين ومسارح ومدارج دائرية. والقوس المهيب الخاص بالإمبراطور سبتيموس سيفيروس (146-211م.) الذي كان أحد مواطني لبدة، موقعان احتفظا بمعالمهما بصورة فريدة لأنهما بقيتا مدفونتان في الرمال إلى حين أدركتهما الحفريات في القرن العشرين على يد البعثات الأثرية الإيطالية من عام 1911 إلى عام 1943. ويستطرد الصحفي القول ان لبدة الكبرى وصبراتة لحسن الحظ لم يحدث لهما ما حدث لمدينة تدمر من داعش فقد تم الحفاظ عليهما.

البروفيسورة ماريا انطونييتا ريتزو عند مدخل حفريات صبراتة (تصوير مارشيللو بينساي)
و بعد تقديم وجيز للبروفيسورة ماريا انطونييتا ريتزو كأستاذة متخصصة في علم الآثار الاتروسكية و الكلاسيكية في جامعة ماتشيراتا و رئيسة البعثة الأثرية العاملة في المدينتين المذكورتين لعدة سنوات و عضوة منذ عام 2011 في مجلس مركز أبحاث و توثيق آثار إفريقيا الرومانية بادرها الصحفي ميلياني بالسؤال الأول وهو عن أوضاع المدينتين الأثريتين خلال الأعوام التي تلت سقوط نظام القذافي عام 2011 فكان رد البروفيسورة ريتزو الآتي:
يتعين القول بأن الليبيين قد عملوا كل ما يمكن عمله من أجل إنقاذ المعالم والمقتنيات الأثرية وما ينبغي عمله من تحفظات أخرى، كان عليهم إخفاء المقتنيات الأثرية والتماثيل في اماكن آمنة…. منها ما تحت الأرض … سدوا الأبواب و بنوا الحوائط الساترة في المتاحف و بأنفسهم دون أي معونة أو مساعدة دولية، لقد واظبت مصلحة الآثار في ليبيا على رعاية التراث و وضعه في مكانة استثنائية من الحفظ و بصورة لم تتمكن حتى الدول الأخرى القيام بها و في اسرع وقت رغم ضخامة المنقولات فهناك تماثيل تزن الاطنان، وفي ظرف بالغ الخطورة عندما كانت الأخطار محدقة بالمتاحف والتماثيل.
هل هناك حوادث إتلاف او نهب؟
لقد كانت هناك حوادث سرقة، ولكن هناك الكثير من القطع التي ظهرت للضوء في بعض الأسواق وقد تم استرجاعها بمساعدة وحدة حماية التراث في شرطة الكاربنييري. وليبيا تبذل قصارى جهدها بنية إستعادة هذا التراث، ولحسن الحظ أنه قبل ثورة عام 2011 قمنا بتنظيم حملة تصوير لمعظم المعالم بواسطة مصوراتي محترف بارع هو (مارشيللو بينساي). هذا و من المفيد جداً القيام بعمليات توثيق مهني خصوصاً مع ظروف إحتمالية وقوع أعمال حربية او تدمير.
ما هي الأعمال التي قمتم بها في صبراتة ولبدة؟
بالنسبة لصبراتة عمدنا و على مدى سنوات عديدة إلى ترميم رسومات موقع سدرة البيليك حيث تم ترميم ما مساحته 180 متر مربع من الرسومات الجدارية التي انهارت هي و الحوائط المرسومة عليها إثر زلزال عام 365م. هذا إضافة إلى عدة مقابر أخرى ذات رسومات جدارية يعود تاريخها إلى الفترة ما بين القرن الأول و القرن الرابع بعد الميلاد.

صبراتة، رسمة الأسد من جداريات سدرة البيليك (تصوير مارشيللو بينساي)
ماذا تمثل تلك الرسوم؟
الأكثر أهمية أن تلك الرسوم تصور حديقة رائعة وتصور لنا مدينة من أعلى ومشاهد صيد غير عادية بين الأسود والفهود والحيوانات الداجنة. وبعض الجدران الأخرى تظهر رسومات لأشجار عنب ورسوم لكائنات ملائكية تجمع العناقيد وهي من المناظر الشائعة قديماً في شمال افريقيا. لقد قمنا بترميم تلك الرسوم بصورة غير عادية على مدى ثلاثين عاماً والسبب في ذلك أن الحوائط التي رسمت عليها هذه المشاهد قد انهارت بسبب زلزال عام 365 ميلادي والذي كانت قوته بدرجة أثر في كامل أرجاء البحر الأبيض المتوسط. ولقد سقطت الجدران بواجهاتها المرسومة بإتجاه الأرض الأمر الذي وفر حماية لتلك الرسوم وحفظت من تأثيرات الهواء الطلق ولكن ذلك الانهيار سبب أيضاً في تشظية الجدران لآلاف القطع التي تطلب رفعها مجدداً الكثير من الدقة والمهارة ناهيك عن استعادة الرسوم لتصبح تلك اللوحات واحدة من أكبر المجموعات التصويرية التي تعود إلى العصر القديم المتأخر في حوض البحر الأبيض المتوسط.
هل في حاجة إلى تدخل؟
لقد قامت جامعة ماتشيراتا بوضع سقف يغطي كامل موقع الرسومات بمظلة وافية ومحكمة وتم تثبيت منظومة إنارة خاصة على أمل افتتاح الموقع للجمهور عام 2011 ولكن عند وقوع الثورة لم يكن في الإمكان المضي قدماً في هذا الاتجاه. لقد واصلت البعثة ترددها على الموقعين حتى عام 2014. واليوم من المستوجب إجراء بعض عمليات الترميم بحكم أنه خلال الحرب أصيب السقف المذكور ببعض الضرر، فإذا حصلنا على الأموال من وزارة الشؤون الخارجية يمكننا التدخل بالتعاون مع المسؤولين الليبيين هناك. أما المقابر الأخرى وهي مقابر تحت أرضية ذات رسومات جدارية فهي محمية بشكل أفضل ومع هذا ينبغي التحقق من درجات الحرارة والرطوبة داخلها.
و في صبراتة أيضاً يجب المواظبة على مراقبة و متابعة وضع الضريح البونيقي الهلنستي بحكم ارتفاعه الذي تجاوز 23 متراً و بحكم مادة بناءه التي قوامها الحجر الجيري المحلي لسرعة تأثره بالعوامل الجوية مثل حث الرياح الرملية و الرذاذ البحري المالح. كما أشير إلى المسرح فقد تعرض مباشرة لبعض الأضرار و لكن يسعى الليبيون للحصول على مساعدة من الدول الأوربية و من منظمة اليونيسكو بالخصوص.

ميناء لبدة . (تصوير مارشيللو بينساي)
و ماذا عن لبدة الكبرى ؟
لبدة موقع أثري أكبر حجماً من مدينة بومباي وكانت مدينة الإمبراطور سبتيموس سيفيروس و سلالة الأسرة السيويرية إنها مثل روما الثانية، هناك على سبيل المثال من الضروري ترميم الميدان و البازيليكا السيويرية و حمامات الصيد التي تتميز برسوماتها و فسيفسائها الفريدة إضافة إلى الكثير من المعالم الأخرى التي تتطلب الكثير من العمل رغم محدودية الأموال.
ما هي برامجكم بخصوص الموقعين لبدة الكبرى وصبراتة ؟
لقد تم تقليص البرامج خلال السنوات الأخيرة بحكم عدم القدرة على الذهاب إلى تلك المواقع للعمل الميداني فيها، من ناحية أخرى واصلنا التخطيط للعمل هناك وقمنا ببعض البرامج الأخرى. إننا نفكر ونأمل التدخل في الحالات الأكثر إلحاحاً.

الساحة الجنائزية المقدسة لسدرة البيليك ، صبراتة . (تصوير مارشيللو بينساي)
وسأل الصحفي ستيفانو البروفيسورة ريتزو عن أهمية لبدة الكبرى وصبراتة؟ فأجابت
إنهما مدينتان في غاية الأهمية، بسبب موقعيهما، كانتا في الأصل من بين المستوطنات الفينيقية ثم استمرتا كمدينتين في العهود الهلنستية والكلاسيكية. لقد شهدتا ازدهارا ملحوظاً في العهد الإمبراطوري الروماني خصوصاً من نهاية القرن الميلادي الثاني حتى النصف الأول للقرن الميلادي الثالث بحكم تولي أباطرة من أصل افريقي عرش الإمبراطورية الرومانية، فنجد لبدة كانت مسقط رأس الامبراطور سبتيموس سيفيروس الذي عمد إلى تبجيلها ببناء الكثير من المعالم الضخمة فيها. و الميدان السيويري يضاهي ميادين رومان في الزمن الامبراطوري ، تزاحمت فيه أعمدة الجرانيت القادم من مصر و أنفس أنواع الرخام. كما أن الذي يميز لبدة أنها تحتفظ بكل الإنشاءات و المعالم ، كذلك معالمها الأصلية تبدو كما هي فلم تتداخل عليها معالم او انشاءات إضافية فوقها و تحتفظ هذه المدينة بالإضافة إلى الميناء بالأسواق و المعابد و الشوارع وعديد الأقواس حيث يوجد فيها شارع واحد يزدحم بعدد من الأقواس الأمر الذي لا يوجد حتى لدينا في إيطاليا . وتعايشت في هذه المدينة جماعات مختلفة تمازجت فيها بأنشطتها و عاداتها و لغاتها، فللبدة مسرح بمدارجه يعطيك عندما تصعده إلى أعلى منظراً على البحر مع وجود جانب كبير من واجهة خشبة المسرح. إضافة إلى احتفاظها بمدرج دائري على درجة جيدة من الحفظ.

على الصعيد الشخصي، أي عاطفياً، أيهما تفضلين؟
على المستوى الشخصي والمعنوي أقول صبراتة حيث قضيت زمن أطول في العمل بها لترميم الرسوم الجدارية في بعض المقابر و في الساحة الجنائزية المقدسة سدرة لبيليك.

Leave a Reply

اغلق